الجنة الافضل منتديات اسلامية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

بسم الله الرحمن الرحيمقل يا يهاالكفرون لا اعبدماتعبدون ولا انتم عبدون ما اعبدولا انا عابد ماعبدتم ولا انتم عبدون ما اعبد لكم دينكم ولي دين

قال رسول الله صلي الله علية وسلم: يأتي زمان علي أمتي يحبون خمس وينسون خمس ... يحبون الدنيا وينسون الآخرة ****يحبون المال وينسون الحساب يحبون المخلوق وينسون الخالق ****يحبون القصور وينسون القبور يحبون المعصية وينسون التوبة فإن كان الأمر كذلك ابتلاهم الله بالغلاء ..... والوباء..... والموت الفجأة..... وجور الحكام،

    أصول الفقه

    avatar
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 159
    تاريخ التسجيل : 03/10/2009

    أصول الفقه Empty أصول الفقه

    مُساهمة  Admin الأحد أكتوبر 04, 2009 11:22 pm

    المقدمة

    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ أَفْضَلُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَبُرْهَانُ الْمُحَقِّقِينَ ، كَهْفُ الْأَئِمَّةِ وَالْفُضَلَاءِ ، زُبْدَةُ نَحَارِيرِ الْعُلَمَاءِ ، شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَعُمْدَةُ فُضَلَاءِ الزَّمَانِ ، بَدْرُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَقِيرِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَبْدُ اللَّهِ الزَّرْكَشِيُّ الشَّافِعِيُّ ، سَقَى اللَّهُ ثَرَاهُ ، وَفِي دَارِ الْخُلْدِ مَأْوَاهُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَسَّسَ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ بِأُصُولِ أَسَاسِهِ ، وَمَلَّكَ مَنْ شَاءَ قِيَادَ قِيَاسِهِ ، وَوَهَبَ مَنْ اخْتَصَّهُ بِالسَّبْقِ إلَيْهِ عَلَى أَفْرَادِ أَفْرَاسِهِ ، وَأَوْلَى عِنَانَ الْعِنَايَةِ مَنْ وَفَّقَهُ لِاقْتِبَاسِهِ . وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، شَهَادَةً يَتَقَوَّمُ مِنْهَا الْحَدُّ بِفُصُولِهِ وَأَجْنَاسِهِ . وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي رَقَى إلَى السَّبْعِ الطِّبَاقِ بِبَدِيعِ جِنَاسِهِ ، وَآنَسَ مِنْ الْعُلَا نُورًا هَدَى الْأُمَّةَ بِإِينَاسِهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا مَا قَامَتْ النُّصُوصُ بِنَفَائِسِ أَنْفَاسِهِ ، وَاسْتُخْرِجَتْ الْمَعَانِي مِنْ مِشْكَاةِ نِبْرَاسِهِ . أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ أَوْلَى مَا صُرِفَتْ الْهِمَمُ إلَى تَمْهِيدِهِ ، وَأَحْرَى مَا عُنِيَتْ بِتَسْدِيدِ قَوَاعِدِهِ وَتَشْيِيدِهِ ، الْعِلْمُ الَّذِي هُوَ قِوَامُ الدِّينِ ، وَالْمَرْقَى إلَى دَرَجَاتِ الْمُتَّقِينَ . وَكَانَ عِلْمُ أُصُولِ الْفِقْهِ جَوَادَهُ الَّذِي لَا يُلْحَقُ ، وَحَبْلَهُ الْمَتِينَ الَّذِي هُوَ أَقْوَى وَأَوْثَقُ ، فَإِنَّهُ قَاعِدَةُ الشَّرْعِ ، وَأَصْلٌ يُرَدُّ إلَيْهِ كُلُّ فَرْعٍ . وَقَدْ أَشَارَ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَوَامِعِ كَلِمِهِ إلَيْهِ ، وَنَبَّهَ أَرْبَابُ اللِّسَانِ عَلَيْهِ ، فَصَدَرَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ مِنْهُ جُمْلَةٌ سَنِيَّةٌ ، وَرُمُوزٌ خَفِيَّةٌ ، حَتَّى جَاءَ الْإِمَامُ الْمُجْتَهِدُ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَاهْتَدَى بِمَنَارِهِ ، وَمَشَى إلَى ضَوْءِ نَارِهِ ، فَشَمَّرَ عَنْ سَاعِدِ الِاجْتِهَادِ ، وَجَاهَدَ فِي تَحْصِيلِ هَذَا الْغَرَضِ السَّنِيِّ حَقَّ الْجِهَادِ ، وَأَظْهَرَ دَفَائِنَهُ وَكُنُوزَهُ وَأَوْضَحَ إشَارَاتِهِ وَرُمُوزَهُ ، وَأَبْرَزَ مُخَبَّآتِهِ وَكَانَتْ مَسْتُورَةً ، وَأَبْرَزَهَا فِي أَكْمَلِ مَعْنًى وَأَجْمَلِ صُورَةً ، حَتَّى نَوَّرَ بِعِلْمِ الْأُصُولِ دُجَى الْآفَاقِ ، وَأَعَادَ سُوقَهُ بَعْدَ الْكَسَادِ إلَى نَفَاقٍ . وَجَاءَ مَنْ بَعْدَهُ ، فَبَيَّنُوا وَأَوْضَحُوا وَبَسَطُوا وَشَرَحُوا ، حَتَّى جَاءَ الْقَاضِيَانِ : قَاضِي السُّنَّةِ أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ وَقَاضِي الْمُعْتَزِلَةِ عَبْدُ الْجَبَّارِ ، فَوَسَّعَا الْعِبَارَاتِ ، وَفَكَّا الْإِشَارَاتِ ، وَبَيَّنَا الْإِجْمَالَ ، وَرَفَعَا الْإِشْكَالَ . وَاقْتَفَى النَّاسُ بِآثَارِهِمْ ، وَسَارُوا عَلَى لَاحِبِ نَارِهِمْ ، فَحَرَّرُوا وَقَرَّرُوا ، وَصَوَّرُوا ، فَجَزَاهُمْ اللَّهُ خَيْرَ الْجَزَاءِ ، وَمَنَحَهُمْ بِكُلِّ مَسَرَّةٍ وَهَنَاءٍ . ثُمَّ جَاءَتْ أُخْرَى مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ ، فَحَجَرُوا مَا كَانَ وَاسِعًا ، وَأَبْعَدُوا مَا كَانَ شَاسِعًا ، وَاقْتَصَرُوا عَلَى بَعْضِ رُءُوسِ الْمَسَائِلِ ، وَكَثَّرُوا مِنْ الشُّبَهِ وَالدَّلَائِلِ ، وَاقْتَصَرُوا عَلَى نَقْلِ مَذَاهِبِ الْمُخَالِفِينَ مِنْ الْفِرَقِ ، وَتَرَكُوا أَقْوَالَ مَنْ لِهَذَا الْفَنِّ أَصَّلَ ، وَإِلَى حَقِيقَتِهِ وَصَّلَ ، فَكَادَ يَعُودُ أَمْرُهُ إلَى الْأَوَّلِ ، وَتَذْهَبُ عَنْهُ بَهْجَةُ الْمُعَوَّلِ ، فَيَقُولُونَ : خِلَافًا لِأَبِي هَاشِمٍ ، أَوْ وِفَاقًا لِلْجُبَّائِيِّ ، وَتَكُونُ لِلشَّافِعِيِّ مَنْصُوصَةً ، وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ بِالِاعْتِنَاءِ مَخْصُوصَةً ، وَفَاتَهُمْ مِنْ كَلَامِ السَّابِقِينَ عِبَارَاتٌ رَائِقَةٌ ، وَتَقْرِيرَاتٌ فَائِقَةٌ ، وَنُقُولٌ غَرِيبَةٌ ، وَمَبَاحِثُ عَجِيبَةٌ .

    الْمُقَدِّمَاتُ
    مسألة سابقة
    فَصْلٌ فِي بَيَانِ شَرَفِ عِلْمِ الْأُصُولِ اعْلَمْ أَنَّ الْعُلُومَ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ : الْأَوَّلُ : عَقْلِيٌّ مَحْضٌ ، كَالْحِسَابِ وَالْهَنْدَسَةِ . وَالثَّانِي : لُغَوِيٌّ ، كَعِلْمِ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ وَالصَّرْفِ وَالْمَعَانِي وَالْبَيَانِ وَالْعَرُوضِ . وَالثَّالِثُ : الشَّرْعِيُّ وَهُوَ عِلْمُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَشْرَفُ الْأَصْنَافِ ، ثُمَّ أَشْرَفُ الْعُلُومِ بَعْدَ الِاعْتِقَادِ الصَّحِيحِ مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الْعَمَلِيَّةِ ، وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ بِالتَّقْلِيدِ وَنَقْلُ الْفُرُوعِ الْمُجَرَّدَةِ يَسْتَفْرِغُ جَمَامَ الذِّهْنِ وَلَا يَنْشَرِحُ بِهَا الصَّدْرُ ، لِعَدَمِ أَخْذِهِ بِالدَّلِيلِ ، وَشَتَّانَ بَيْنَ مَنْ يَأْتِي بِالْعِبَادَةِ تَقْلِيدًا لِإِمَامِهِ بِمَعْقُولِهِ وَبَيْنَ مَنْ يَأْتِي بِهَا وَقَدْ ثَلَجَ صَدْرُهُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَهَذَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالِاجْتِهَادِ ، وَالنَّاسُ فِي حَضِيضٍ عَنْ ذَلِكَ ، إلَّا مَنْ تَغَلْغَلَ بِأُصُولِ الْفِقْهِ ، وَكَرَعَ مِنْ مَنَاهِلِهِ الصَّافِيَةِ ، وَأَدْرَعَ مَلَابِسَهُ الضَّافِيَةَ ، وَسَبَحَ فِي بَحْرِهِ ، وَرَبِحَ مِنْ مَكْنُونِ دُرِّهِ . قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِ الْمَدَارِكِ " وَهُوَ مِنْ أَنْفَسِ كُتُبِهِ : وَالْوَجْهُ لِكُلِّ مُتَصَدٍّ لِلْإِقْلَالِ بِأَعْبَاءِ الشَّرِيعَةِ أَنْ يَجْعَلَ الْإِحَاطَةَ بِالْأُصُولِ شَوْقَهُ الْآكَدَ ، وَيَنُصَّ مَسَائِلَ الْفِقْهِ عَلَيْهَا نَصَّ مَنْ يُحَاوِلُ بِإِيرَادِهَا تَهْذِيبَ الْأُصُولِ ، وَلَا يَنْزِفُ جَمَامَ الذِّهْنِ فِي وَضْعِ الْوَقَائِعِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا لَا تَنْحَصِرُ مَعَ الذُّهُولِ عَنْ الْأُصُولِ . وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى " : خَيْرُ الْعِلْمِ مَا ازْدَوَجَ فِيهِ الْعَقْلُ وَالسَّمْعُ وَاصْطَحَبَ فِيهِ الرَّأْيُ وَالشَّرْعُ عِلْمُ الْفِقْهِ ، وَأُصُولُ الْفِقْهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ صَفْوِ الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ سَوَاءَ السَّبِيلِ ، فَلَا هُوَ تَصَرَّفَ بِمَحْضِ الْعُقُولِ بِحَيْثُ لَا يَتَلَقَّاهُ الشَّرْعُ بِالْقَبُولِ ، وَلَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّقْلِيدِ الَّذِي لَا يَشْهَدُ لَهُ الْعَقْلُ بِالتَّأْيِيدِ وَالتَّسْدِيدِ ، وَلِأَجْلِ شَرَفِ عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ وَرِفْعَتِهِ وَفَّرَ اللَّهُ دَوَاعِيَ الْخَلْقِ عَلَى طُلْبَتِهِ ، وَكَانَ الْعُلَمَاءُ بِهِ أَرْفَعَ مَكَانًا ، وَأَجَلَّهُمْ شَأْنًا ، وَأَكْثَرَهُمْ أَتْبَاعًا وَأَعْوَانًا . وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ فِي كِتَابِهِ " الْأُصُولُ " : اعْلَمْ أَنَّ النَّصَّ عَلَى حُكْمِ كُلِّ حَادِثَةٍ عَيْنًا مَعْدُومٌ ، وَأَنَّ لِلْأَحْكَامِ أُصُولًا وَفُرُوعًا ، وَأَنَّ الْفُرُوعَ لَا تُدْرَكُ إلَّا بِأُصُولِهَا ، وَأَنَّ النَّتَائِجَ لَا تُعْرَفُ حَقَائِقُهَا إلَّا بَعْدَ تَحْصِيلِ الْعِلْمِ بِمُقَدِّمَاتِهَا ، فَحُقَّ أَنْ يُبْدَأَ بِالْإِبَانَةِ عَنْ الْأُصُولِ لِتَكُونَ سَبَبًا إلَى مَعْرِفَةِ الْفُرُوعِ . ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي نِسْبَةِ الْأُصُولِ إلَى الْفِقْهِ ، فَقِيلَ : عِلْمُ الْأُصُولِ بِمُجَرَّدِهِ كَالْمَيْلَقِ الَّذِي يُخْتَبَرُ بِهِ جَيِّدُ الذَّهَبِ مِنْ رَدِيئِهِ ، وَالْفِقْهُ كَالذَّهَبِ ، فَالْفَقِيهُ الَّذِي لَا أُصُولَ عِنْدَهُ كَكَاسِبِ مَالٍ لَا يَعْرِفُ حَقِيقَتَهُ ، وَلَا مَا يَدَّخِرُ مِنْهُ مِمَّا لَا يَدَّخِرُ ، وَالْأُصُولِيُّ الَّذِي لَا فِقْهَ عِنْدَهُ كَصَاحِبِ الْمَيْلَقِ الَّذِي لَا ذَهَبَ عِنْدَهُ ، فَإِنَّهُ لَا يَجِدُ مَا يَخْتَبِرُهُ عَلَى مَيْلَقِهِ . وَقِيلَ : الْأُصُولِيُّ كَالطَّبِيبِ الَّذِي لَا عَقَارَ عِنْدَهُ ، وَالْفَقِيهُ كَالْعَطَّارِ الَّذِي عِنْدَهُ كُلُّ عَقَارٍ ، وَلَكِنْ لَا يَعْرِفُ مَا يَضُرُّ وَلَا مَا يَنْفَعُ . وَقِيلَ : الْأُصُولِيُّ كَصَانِعِ السِّلَاحِ ، وَهُوَ جَبَانٌ لَا يُحْسِنُ الْقِتَالَ بِهِ ، وَالْفَقِيهُ كَصَاحِبِ سِلَاحٍ وَلَكِنْ لَا يُحْسِنُ إصْلَاحَهَا إذَا فَسَدَتْ ، وَلَا جِمَاعَهَا إذَا صَدَعَتْ . فَإِنْ قِيلَ : هَلْ أُصُولُ الْفِقْهِ إلَّا نُبَذٌ جُمِعَتْ مِنْ عُلُومٍ مُتَفَرِّقَةٍ ؟ نُبْذَةٌ مِنْ النَّحْوِ كَالْكَلَامِ عَلَى مَعَانِي الْحُرُوفِ الَّتِي يَحْتَاجُ الْفَقِيهُ إلَيْهَا ، وَالْكَلَامِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ ، وَعَوْدِ الضَّمِيرِ لِلْبَعْضِ ، وَعَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَنَحْوِهِ ، وَنُبْذَةٌ مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ كَالْكَلَامِ فِي الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ ، وَكَوْنِ الْحُكْمِ قَدِيمًا ، وَالْكَلَامِ عَلَى إثْبَاتِ النَّسْخِ ، وَعَلَى الْأَفْعَالِ وَنَحْوِهِ ، وَنُبْذَةٌ مِنْ اللُّغَةِ ، كَالْكَلَامِ فِي مَوْضُوعِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَصِيَغِ الْعُمُومِ ، وَالْمُجْمَلِ وَالْمُبَيَّنِ ، وَالْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ ، وَنُبْذَةٌ مِنْ عِلْمِ الْحَدِيثِ كَالْكَلَامِ فِي الْأَخْبَارِ ، فَالْعَارِفُ بِهَذِهِ الْعُلُومِ لَا يَحْتَاجُ إلَى أُصُولِ الْفِقْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، وَغَيْرُ الْعَارِفِ بِهَا لَا يُغْنِيهِ أُصُولُ الْفِقْهِ فِي الْإِحَاطَةِ بِهَا ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ إلَّا الْكَلَامُ فِي الْإِجْمَاعِ ، وَالْقِيَاسِ ، وَالتَّعَارُضِ ، وَالِاجْتِهَادِ ، وَبَعْضِ الْكَلَامِ فِي الْإِجْمَاعِ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ أَيْضًا ، وَبَعْضِ الْكَلَامِ فِي الْقِيَاسِ وَالتَّعَارُضِ مِمَّا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْفَقِيهُ ، فَفَائِدَةُ أُصُولِ الْفِقْهِ بِالذَّاتِ حِينَئِذٍ قَلِيلَةٌ . فَالْجَوَابُ مَنْعُ ذَلِكَ ، فَإِنَّ الْأُصُولِيِّينَ دَقَّقُوا النَّظَرَ فِي فَهْمِ أَشْيَاءَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ لَمْ تَصِلْ إلَيْهَا النُّحَاةُ وَلَا اللُّغَوِيُّونَ ، فَإِنَّ كَلَامَ الْعَرَبِ مُتَّسِعٌ ، وَالنَّظَرُ فِيهِ مُتَشَعِّبٌ ، فَكُتُبُ اللُّغَةِ تَضْبِطُ الْأَلْفَاظَ وَمَعَانِيَهَا الظَّاهِرَةَ دُونَ الْمَعَانِي الدَّقِيقَةِ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَى نَظَرِ الْأُصُولِيِّ بِاسْتِقْرَاءٍ زَائِدٍ عَلَى اسْتِقْرَاءِ اللُّغَوِيِّ . مِثَالُهُ : دَلَالَةُ صِيغَةِ " افْعَلْ " عَلَى الْوُجُوبِ ، وَ " لَا تَفْعَلْ " عَلَى التَّحْرِيمِ ، وَكَوْنُ " كُلٍّ " وَأَخَوَاتِهَا لِلْعُمُومِ ، وَنَحْوُهُ مِمَّا نَصَّ هَذَا السُّؤَالُ عَلَى كَوْنِهِ مِنْ اللُّغَةِ لَوْ فَتَّشْت لَمْ تَجِدْ فِيهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ غَالِبًا وَكَذَلِكَ فِي كُتُبِ النُّحَاةِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ أَنَّ الْإِخْرَاجَ قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الدَّقَائِقِ الَّتِي تَعَرَّضَ لَهَا الْأُصُولِيُّونَ وَأَخَذُوهَا مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ بِاسْتِقْرَاءٍ خَاصٍّ ، وَأَدِلَّةٍ خَاصَّةٍ لَا تَقْتَضِيهَا صِنَاعَةُ النَّحْوِ ، وَسَيَمُرُّ بِك مِنْهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ الْعَجَبُ الْعُجَابُ .


    مسألة تالية

    وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ : الْغَرَضُ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ مَعْرِفَةُ أَدِلَّةِ أَحْكَامِ الْفِقْهِ ، وَمَعْرِفَةُ طُرُقِ الْأَدِلَّةِ ، لِأَنَّ مَنْ اسْتَقْرَأَ أَبْوَابَهُ وَجَدَهَا إمَّا دَلِيلًا عَلَى حُكْمٍ أَوْ طَرِيقًا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ الدَّلِيلِ ، وَذَلِكَ كَمَعْرِفَةِ النَّصِّ ، وَالْإِجْمَاعِ ، وَالْقِيَاسِ ، وَالْعِلَلِ ، وَالرُّجْحَانِ . وَهَذِهِ كُلُّهَا مَعْرِفَةٌ مُحِيطَةٌ بِالْأَدِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ عَلَى الْأَحْكَامِ . وَمَعْرِفَةُ الْأَخْبَارِ وَطُرُقِهَا مَعْرِفَةٌ بِالطُّرُقِ الْمُوَصِّلَةِ إلَى الدَّلَائِلِ الْمَنْصُوصَةِ عَلَى الْأَحْكَامِ . وَهَاهُنَا أُمُورٌ : أَحَدُهَا : أَنَّ الْأَسْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَةَ فِي هَذِهِ الْعُلُومِ . كَأُصُولِ الْفِقْهِ ، وَالْفِقْهِ ، وَالنَّحْوِ ، وَاللُّغَةِ ، وَالطِّبِّ . هَلْ هِيَ مَنْقُولَةٌ أَوْ لَا ؟ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِيهِ احْتِمَالَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ مِمَّا صَارَ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ ، كَالْعَقَبَةِ . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ الْعُرْفِيَّةِ . قَالَ : وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَرْجَحُ ، لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْغَلَبَةِ يَتَقَيَّدُ بِمَا فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ أَوْ الْإِضَافَةُ ، وَأَسْمَاءُ هَذِهِ الْعُلُومِ تُطْلَقُ عُرْفًا مَعَ التَّنْكِيرِ وَالْقَطْعِ عَنْ الْإِضَافَةِ كَمَا تَقُولُ : فُلَانٌ يَعْرِفُ فِقْهًا وَنَحْوًا . قُلْت : وَبِالْأَوَّلِ صَرَّحَ ابْنُ سِيدَهْ وَغَيْرُهُ كَمَا سَبَقَ ، وَبِالثَّانِي صَرَّحَ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ " فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ ، وَالطُّرْطُوشِيُّ فِي أَوَائِلِ كِتَابِهِ ، وَقَالَ : فَيَكُونُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْعُرْفِيَّةِ ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْحَلِيمِيِّ ، وَالْغَزَالِيِّ ، وَمَا رَجَّحَ بِهِ الثَّانِي فِيهِ نَظَرٌ ، لِأَنَّهُ مَعَ التَّنْكِيرِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْعِلْمِيَّةِ فَإِنَّ الْعِلْمَ يُنْكِرُ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا . الثَّانِي : إذَا ثَبَتَ أَنَّهَا مَنْقُولَةٌ فَهِيَ أَسْمَاءُ أَجْنَاسٍ أَوْ أَعْلَامُ أَجْنَاسٍ ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ ، لِقَبُولِهِ الْأَلِفَ وَاللَّامَ ، وَالْعِلْمُ لَا يَقْبَلُهُ ، وَلِاشْتِهَارِهَا فِي الْعُرْفِ ، كَاشْتِهَارِ لَفْظِ الدَّابَّةِ لِذَوَاتِ الْأَرْبَعِ . وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَلَمٍ هَذَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَعْرِفَةٍ . أَمَّا أُصُولُ الْفِقْهِ فَهُوَ مَعْرِفَةٌ بِالْإِضَافَةِ . وَنُقِلَ إلَى هَذَا الْعَلَمِ الْخَاصُّ أَوْ غَلَبَ عَلَيْهِ ، فَهُوَ عَلَمُ جِنْسٍ ، لِأَنَّهُ الْمُمَيِّزُ لِهَذَا الْجِنْسِ بِخُصُوصِهِ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَجْنَاسِ . الثَّالِثُ : أَنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ يُطْلَقُ مُضَافًا وَمُضَافًا إلَيْهِ ، وَيُطْلَقُ عَلَمًا عَلَى هَذَا الْعِلْمِ الْخَاصِّ . وَاخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ ، فَمِنْهُمْ مَنْ عَرَّفَ الْإِضَافِيَّ ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَرَّفَ اللَّقَبِيَّ ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ . وَالصَّوَابُ : تَعْرِيفُ اللَّقَبِيِّ وَلَيْسَ ثَمَّ غَيْرُهُ . وَأَمَّا جَزَاؤُهُ حَالَةَ التَّرْكِيبِ ، فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا مَدْلُولٌ عَلَى حِدَتِهِ . إنَّمَا هُوَ كَغُلَامِ زَيْدٍ إذَا سَمَّيْت بِهِ لَمْ يَتَطَلَّبْ مَعْنَى الْغُلَامِ ، وَلَا مَعْنَى زَيْدٍ ، وَلَيْسَ لَنَا حَدَّانِ إضَافِيٌّ وَلَقَبِيٌّ وَإِنَّمَا هُوَ اللَّقَبِيُّ فَقَطْ .

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين يوليو 08, 2024 12:26 am